فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (31- 35):

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)}

.شرح الكلمات:

{وأزلفت الجنة للمتقين}: أي قرّبت الجنة للمتقين الذين اتقوا الشرك والمعاصي.
{غير بعيد}: أي مكانا غير بعيد منهم بحيث يرونها.
{لكل أواب حفيظ}: أي رجاع إلى طاعة الله كلما ترك طاعة عاد إليها حافظ لحدود الله.
{من خشي الرحمن بالغيب}: أي خاف الله تعالى فلم يعصه وإن عصاه تاب إليه وهو لم يره.
{وجاء بقلب منيب}: أي مقبل على طاعته تعالى.
{أدخلوها بسلام}: أي ويقال لهم وهم المتقون أدخلوها أي الجنة بسلام أي مع سلام وحال كونكم سالمين من كل مخوف.
{ولدينا مزيد}: أي مزيد من الأنعام والتكريم في الجنة وهو النظر إلى وجه الله الكريم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير البعث والجزاء بذكر بعض مظاهره قال تعالى بعد ما ذكر ما لأهل النار من عذاب {وأزلفت الجنة} أي أدنيت وقربت {للمتقين غير بعيد} وهم الذي اتقوا الله تعالى بترك الشرك والمعاصي فلا تركوا فريضة ولا غشوا كبيرة. وقوله تعالى: {هذا ما توعدون} أي يقال لهم هذا ما توعدون أي من النعيم المقيم، {لكل أواب حفيظ} أي رجاع إلى طاعة الله تعالى حفيظ أي حافظ لحدود الله. حفيظ أيضا لذنوبه لا ينساها كلما ذكرها استغفر الله تعالى منها. وقوله: {من خشي الرحمن بالغيب} هذا بيان للأواب والحفيظ وهو من خاف الرحمن تعالى بالغيب أي وهو غائب عنه لا يراه ولم يعصه بترك واجب ولا بفعل حرام، وقوله: {وجاء بقلب منيب} أي إلى ربه أي مقبل على طاعته بذكر الله فلا ينساه ويطيعه فلا يعصيه، وقوله تعالى: {ادخلوها} أي يقال لهم أي للمتقين ادخلوها أي الجنة {بسلام} أي مسلما عليكم وسالمين من كل مخوف كالموت والمرض والألم والحزن و{ذلك يوم الخلود} أي في الجنة وفي النار فأهل الجنة خالدون فيها وأهل النار خالدون فيها وقوله: {لهم ما يشاءون فيها} أي لأهل الجنة ما يشاءون أي ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم وقوله: {ولدينا مزيد} أي وعندنا لكم مزيد من النعيم وهو النظر إلى وجهه الكريم.

.من هداية الآيات:

1- فضل التقوى وكرامة المتقين على ربّ العالمين.
2- فضل الأواب الحفيظ وهو الذي كلما ذكر ذنبه استغفر ربّه.
3- بيان أكبر نعيم في الجنة وهو رضا الله والنظر إلى وجهه الكريم.

.تفسير الآيات (36- 45):

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}

.شرح الكلمات:

{وك أهلكنا قبلهم من قرن}: أي كثيرا من أهل القرون قبل كفار قريش أهلكناهم.
{هم أش منهم بطشا}: أي أهل القرون الذي أهلكناهم قبل كفار قريش هم أشد قوة وأعظم أخذا من كفار قريش ومع هذا أهلكناهم.
{فنقبوا في البلاد هل من محيص}: أي بحثوا وفتشوا في البلاد علَّهم يجدون مهرباً من الهلاك فلم يجدوا.
{إن في ذلك لذكرى}: أي إن في المذكور من إهلاك الأمم القوية موعظة.
{لمن كان له قلب أو ألقى السمع}: أي الموعظة تحصل للذي له قلب حيٌ وألقى سمعه يستمع.
{وهو شهيد}: وهو شهيد أي حاضر أثناء استماعه حاضر القلب والحواس.
{وما مسنا من لغوب}: أي من نصب ولا تعب.
{فاصبر على ما يقولون}: أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله اليهود وغيرهم من التشبيه لله والتكذيب بصفاته.
{وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس}: أي صل حامداً لربك قبل طلوع الشمس وهي صلاة الصبح.
{وقبل الغروب}: أي صل صلاة الظهر والعصر.
{ومن الليل فسبحه}: أي صل صلاتي المغرب والعشاء.
{وأدبار السجود}: أي بعد أداء الفرائض فسبح بألفاظ الذكر والتسبيح.
{واستمع}: أي أيها المخاطب إلى ما أقول لك.
{يوم ينادي المناد من مكان قريب}: أي يوم ينادي إسرافيل من مكان قريب من السماء وهو صخرة بيت المقدس فيقول أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
{يوم يسمعون الصيحة بالحق}: أي نفخة إسرافيل الثانية وهي نفخة البعث يعلمون عاقبة تكذيبهم.
{ذلك يوم الخروج}: أي من القبور.
{يوم تشقق الأرض عنهم سراعا}: أي يخرجون من قبورهم مسرعين بعد تشقق القبور عنهم.
{ذلك حشر علينا يسير}: أي ذلك حشر للناس وجمع لهم في موقف الحساب يسير سهل علينا.
{نحن أعلم بما يقولون}: أي من الكفر والباطل فلا تيأس لذلك سننتقم منهم.
{وما أنت عليهم بجبار}: أي بحيث تجبرهم على الإِيمان والتقوى.
{فذكر بالقرآن}: أي عظ مرغبا مرهبا بالقرآن فاقرأه على المؤمنين فهم الذين يخافون وعيد الله تعالى ويطمعون في وعده.

.معنى الآيات:

بعد ذلك العرض العظيم لأحوال القيامة وأهوالها على كفار قريش المكذبين بالتوحيد والنبوة والبعث ولم يؤمنوا فكانوا بذلك متعرضين للعذاب فأخبر تعالى رسوله أن هلاكهم يسير فكم أهلك تعالى {قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً} أي قوة وأخذاً ولما جاءهم العذاب فروا يبحثون عن مكان يحيصون إليه أي يلجأون فلم يجوا وهو معنى قوله تعالى: {فنقبوا في البلاد هل من محيص}؟ وقوله تعالى: {إن ذلك} أي الذي ذكرنا من قوله وكم أهلكنا قبلهم من قرن لذكرى أي موعظة يتعظ بها عبد كان له قلب حيٌّ وألقى سمعه يستمع وهو شهيد أي حاضر بكل مشاعره وأحاسيسه. وقوله تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام} أولها الأحد وآخرها الجمعة {وما مسنا من لغوب} أي نصب أو تعب، هذا الخبر ردَّ الله تعالى به على اليهود الذين قالوا أتم الله خلق السموات والأرض في يوم الجمعة واستراح يوم السبت فلذا هم يسبتون أي يستريحون يوم السبت فرد تعالى عليهم بقوله: {وما مسنا من لغوب} أ يتعب، إذ التعب يلحق العامل من الممارسة والمباشرة لما يقوم بعمله والله تعالى يخلق بكلمة التكوين فلذا لا معنى لأن يصيبه تعب أو نصب أو لغوب وقوله تعالى: {فاصبر على ما يقولون وسبح} أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله يهود وغيرهم من الكفر والباطل واستعن على ذلك أي على الصبر وهو صعب بالصلاة التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، ومن الليل فسبحه أدبار النجوم فشمل هذا الإِرشاد والتعليم الإِلهي الصلوات الخمس، إذ قبل طلوع الشمس فيه صلاة الصبح وقبل الغروب في صلاة الظهر العصر ومن الليل فيه صلاة المغرب والعشاء، ولنعم العون على الصبر الصلاة، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وقوله وأدبار السجود أي بعد الصلوات الخمس سبح ربك متلبسا بحمده، نحو سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
وقوله: {واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب} أي واستمع أيها الخاطب يوم ينادي إسرافيل من مكان قريب وهو صخرة بيت المقدس وهو مكان قريب من السماء فيقول المنادي وهو إسرافيل أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء وقوله: {يوم يسمعون الصيحة بالحق} وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة البعث {ذلك يوم الخروج} من القبور ويوم يرى المكذبون عاقبة تكذيبهم، وقوله: {يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً} أي يخرجون مسرعين ذلك المذكور من تشقق الأرض وخروجهم مسرعين حشر علينا لهم يسير أي سهل لا صعوبة فيه، وقوله: {نحن أعلم ما يقولون} فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وفيه تهيد لكفار قريش. وقوله: {وما أنت عليهم بجبار} أي بذي قوة وقدرة فائقة تجبرهم بها على الإيمان الاستقامة وعليه فمهمتك ليست الإِجبار وأنت عاجز عنه وإنما هي التذكير {فذكر بالقرآن} إذا {من يخاف وعيد} وهم المؤمنون الصادقون والمسلمون الصالحون.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية تخويف العصاة والمكذبين بالعذاب الإلهي وقربه وعدم بعده.
2- للانتفاع بالمواعظ شروط أن يكون السامع ذا قلب حي واعٍ وأن يلقى بسمعه كاملا وأن يكون حاضر الحواس شهيدها.
3- وجوب الصبر الاستعانة على تحقيقه بالصلاة.
4- مشروعية الذكر والدعاء بعد الصلاة فرادى لا جماعات.
5- تقرير البعث وتفصيل مبادئه.
6- المواعظ ينتفع بها أهل القلوب الحية.

.سورة الذاريات:

.تفسير الآيات (1- 14):

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}

.شرح الكلمات:

{والذاريات ذروا}: أي الرياح تذروا التراب وغيره ذروا.
{فالحاملات وقرا}: أي السحب تحمل الماء.
{فالجاريات يُسرا}: أي السفن تجري على سطح الماء بسهولة.
{فالمقسمات أمرا}: أي الملائكة تقسم بأمر ربها الأرزاق والأمطار وغيرها بين العباد.
{إن ما توعدون لصادق}: أي إن ما وعدكم به ربكم لصادق سواء كان خيراً أو شراً.
{وإن الدين لواقع}: أي وأن الجزاء بعد الحساب لواقع لا محالة.
{والسماء ذات الحبك}: أي ذات الطرق كالطرق التي تكون على الرمل والحبك جمعُ حبيكة.
{إنكم لفي قول مختلف}: أي يا أهل مكة لفي قول مختلف أي في شأن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم من يقول القرآن سحر وشعر وكهانة ومنهم من يقول النبي كاذب أو ساحر أو شاعر.
{يؤفك عنه من أفك}: أي يصرف عن النبي والقرآن من صُرف.
{قتل الخراصون}: أي لعن الكذابون الذين يقولون بالخرص والكذب.
{الذين هم في غمرة ساهون}: أي في غمرة جهل تغمرهم ساهون أي غافلون عن أمر الآخرة.
{يسألون أيان يوم الدين}: أي يسألون النبي صلى الله عليه وسلم سؤال استهزاء متى يوم القيامة؟ وجوابهم يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون فيها.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والذاريات} هذا شروع في قسم ضخم أقسم الله تعالى به وهو الذاريات ذروأ أي الرياح تذروا التراب وغيره من الأشياء الخفيفة {فالحاملات وقرأ} أي السحب تحمل الماء {فالجاريات يسرا} أي السفن تجري على سطح الماء {فالمقسمات أمرا} أي الملائكة تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بأمر بها كل هذا قسم أقسم الله به وجوابه {إنما توعدون} أيها الناس من البعث والجزاء بالنعيم المقيم أو بعذاب الجحيم لصادق وإن الدين أي الجزاء العادل لواقع أي كائن لا محالة. وقوله: {والسماء ذات الحبك} هذا قسم آخر أي ذات الطرق كالتي على الرمل جمع حبيكة بمعنى طريقة {إنكم لفي قول مختلف} هذا جوا بالقسم فمنكم من يقول محمد ساحر ومنكم من يقول كاذب أو كاهن. ومنكم من يقول في القرآن سحر وشعر كهانة وقوله تعالى: {يؤفك عنه من أفك} أي يصرف عن القرآن ومن نزل عليه من أفك أي صرف بقضاء الله وقدره. وقوله تعالى: {قتل الخراصون} أي لعن الكذابون الذين يقولون بالخرص والكذب والظن الذين هم في غمرة جهل تغمرهم ساهون أي غافلون عن أمر الآخرة وما لهم فيه من عذاب لو شاهدوه ما ذاقوا طعاماً ولا شراباً لذيذاً.
وقوله تعالى: {يسألون أيّان يوم الدين} أي متى قيام الساعة ومجيئها وهم في هذا مستهزئون ساخرون وجوابهم في قوله تعالى: {يوم هم على النار يفتنون} أي يعذبون ويقال لهم: {ذوقوا فتنكم} أي عذابكم {هذا الذي كنتم به تستعجلون} أي تطالبون به رسولنا بتعجيله لكم استخفافا وتكذيبا منكم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء حيث أقسم تعالى على ذلك.
2- تقرير عقيدة القضاء والقدر في قوله يؤفك عنه من أفك.
3- لعن الله الخراصين الذين يقولون بالخرص والكذب ويسألون استهزاء وسخرية لا طلبا للعلم والمعرفة للعمل.

.تفسير الآيات (15- 23):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}

.شرح الكلمات:

{إن المتقين في جنات وعيون}: أي إن الذين اتقوا ربهم في بساتين وعيون تجري خلال تلك البساتين والقصور التي فيها كقوله تجري من تحتها الأنهار.
{آخذين ما آتاهم ربهم}: أي آخذين ما أعطاهم ربهم من الثواب.
{إنهم كانوا قبل ذلك محسنين}: أي كانوا قبل دخولهم الجنة محسنين في الدنيا أي في عبادة ربهم وإلى عباده.
{كانوا قليلا من الليل ما يهجعون}: أي كانوا في الدنيا يحيون الليل ولا ينامون فيه إلا قليلا.
{وبالأسحار هم يستغفرون}: أي وفي وقت السحور وهو السدس الأخير من الليل يستغفرون يقولون ربنا اغفر لنا.
{وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}: أي للذي يسأل والمحروم الذي لا يسأل لتعففه وهذا الحق أوجبوه على أنفسهم زيادة على الزكاة الواجبة.
{وفي الأرض آيات للموقنين}: أي من الجبال والأنهار والأشجار للبعث والموجبة للتوحيد للموقنين أما غير المؤمنين فلا يرون شيئا.
{وفي أنفسكم أفلا تبصرون}: أي آيات من الخلق والتركيب والاسماع والابصار والتعقل والتحرك أفلا تبصرون لك فتستدلون به على وجود الله وعلمه وقدرته.
{وفي السماء رزقكم وما توعدون}: أي الأمطار التي بها الزرع والنبات وسائر الأقوات وما توعدون من ثواب وعقاب إن كل ذلك عند الله في السماء مكتوب في اللوح المحفوظ.
{فورب السماء والأرض إنه لحق}: إنه لحق أي ما توعدون لحق ثابت.
{مثل ما أنكم تنطقون}: أي إن البعث لحق مثل نطقكم فهل يشك أحد في نطقه إذا نطق والجواب لا يشك فكذلك ما توعدون من ثواب وعقاب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي كذب بها المشركون في مكة فقال تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون} أي إن الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه بترك الواجبات ولا بفعل المحرمات هؤلاء يوم القيامة في بساتين وعيون تري في تلك البساتين وقوله: {آخذين ما آتاهم ربهم} أي ما أعطاهم ربهم من ثواب هو نعيم مقيم في دار السلام. ثم ذكر تعالى مقتضيات هذا العطاء العظيم والثواب الجزيل فقال: {إنهم كانوا قبل} دخولهم الجنة {محسنين} في الدنيا فأحسنوا نياتهم وأعمالهم اخلصوها لله ربهم وأتَوا بها وفق ما ارتضاه وشرعه لعباه زيادة ولا نقصان كما أحسنوا إلى عباده ولم يسيئوا إليهم بقول ولا عمل هذا موجب وآخرأتهم {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} أي لا ينامون من الليل إلا قليلاً إذا أكثر الليل يقضونه في الصلاة وهو التهجد وقيام الليل وبالأسحار أي وفي السدس الاخير من الليل هم يستغفرون أي يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار وثالث {وفي أموالهم حق للسائل} والمحروم أي وزيادة على الزكاة المفعروضة في كل مال بلغ النصاب فإنهم أوجبوا على أنفسهم في أموالهم حق يبذلونه للسائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يسأل لحيائه وعفته.
هذه موجبات العطاء الكريم الي أعطاهم ربهم من النعيم المقيم في جنات وعيون. وقوله تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين} أي وفي ما خلق في الأرض من مخلوقات من جبال وأنهار وزروع وضروع وأنواع الثمار، وإنسان وحيوان آيات أي دلائل وعلامات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وكلها موجبة له التوحيد ومقررة لقدرته على البعث الآخر والجزاء وكون هذه الآيات للموقنين مبني على أن المؤقنين ذووا بصائر وإراك لما يشاهدون في الكون فكلما نظروا إلى آية في الكون ازداد إيمانهم وقوى فبلغوا اليقين فيه فأصبحوا أكثر من غيرهم في الاهتداء والانتفاع بكل ما يسمعون ويشاهدون. وقوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} أي وفي أنفسكم أيها الناس من الدلائل والبراهين المتمثلة في خلق الإِنسان وأطواره التي يمر بها من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى طفل إلى شاب فكهل وفي إدراكه وسمعه وبصره ونطقه إنها آيات أخرى دالة على وجود الله وتوحديه وقدرته على البعث والجزاء وقوله: {أفلا تبصرون} توبيخ لأهل الغفلة والاعراض عن التفكير والنظر إذ لو نظروا بأبصارهم متفكرين ببصائرهم لاهتدوا إلى الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء. وقوله تالى وفي السماء رزقكم وما توعدون أي يخبر تعالى عباده أن رزقهم في السماء يريد تدبير الأمر في السماء والأمطار التي هي سبب كل الثمار والحبوب وسائر الخضر والفواكه التي هي غذاء الإِنسان في السماء وقوله وما توعدون من خير وشر من رحمة وعذاب الكل في السماء إذ الأمر لله وهو يحكم بالرحمة والعذاب على من يشاء وكتاب المقادير الذي كتب فيه كل شيء هو وفي السماء. وقوله تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} هذا قسم منه تعالى أقسم فيه بنفسه على أن البعث والجزاء يوم القيامة حق ثابت واجب الوقوع كائن لا محالة إذا كنا لا نشك في نطقنا إذا نطقنا أن ما نقوله ونسمعه لا يمكن أن يكون غير ما نطقنا به وسمعناه فكذلك البعث الآخر واقع لا محالة.

.من هداية الآيات:

1- بيان ما للمتقين من نعيم مقيم في الدار الآخرة.
2- بيان صفات المتقين من التهجد بالليل والاستغفار في آخره والانفاق في سبيل الله.
3- بيان أن في الأرض كما في الأنفس آيات أي دلائل وعلامات على قدرة الله على البعث والجزاء.
4- بيان أن في السماء رزق العباد فلا يطلب إلا من الله تعالى وأن ما نُوعَدُ من خير وشر أمره في السماء ومنها ينزل بأمره تعالى فليكن طلبنا الخير من الله دائما وتعوذنا من الشر بالله وحده.

.تفسير الآيات (24- 30):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}

.شرح الكلمات:

{هل أتاك حديث}: أي قد أتاك يا نبيّنا حديث أي كلام.
{ضيف إبراهيم المكرمين}: أي جبريل وميكائيل وإسرافيل أكرمهم إبراهيم الخليل.
{وقالوا سلاما}: أي نسلم عليك سلاما.
{قال سلام قوم منكرون}: أي عليكم سلام أنتم قوم منكرون أي غير معروفين.
{فراغ إلى إهله فجاء بعجل سمين}: أي عدل ومال إلى أهله فجاء بعجل سمين حنيذ.
{فقال ألا تأكلون}: أي فأمسكوا عن الأكل فقال لهم ألا تأكلون.
{فأوجس منهم خيفة}: أي فأضمر في نفسه خوفا منهم.
{بغلام عليم}: أي بولد يكون ذا علم كبير غزير.
{فاقبلت امرأته في صرَّة}: أي في رنّة وصيحة.
{فصكت وجهها}: أي لطمت وجهها أي ضربت بأصابعها جبينها متعجبة.
{وقالت عجوز عقيم}: أي كبيرة السن وعقيم لم يولد لها قط.
{قالوا كذلك قال ربك}: أي قالت الملائكة لها كالذي قلنا لك قال ربك.
{إنه هو الحكيم العليم}: أي انه هو الحكيم في تدبيره وتصريفه شؤون عباده. العليم بما يصلح للعبد وما لا يصلح فليفوض الأمر إليه.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} هذا الحديث يشتمل على موجز قصة قد ذكرت في سورة هود والحجر والمقصود منه تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إن مثل هذا القصص لا يتم لأُميِّ لا يقرأ ولا يكتب إلا من طريق الوحي كما أنه يحمل في نهايته التهديد بالوعيد لمشركي قريش المصرين على الكفر والتكذيب والإِجرام الكبير إذ في نهاية القصة يسأل إبراهيم الملائكة قائلا فما خطبكم أيها المرسولن فيجيبون قائلين إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين أي لتدميرهم وإهلاكه من أجل إجرامهم، وقريش في هذا الوقت مجرمة مستحقة للعذاب كما استحقه إخوان لوط. فقوله تعالى في خطاب رسوله هل أتاك حديث ضيف إبراهيم الخليل وهم ملائكة في صورة رجال من بينهم جبريل وميكائيل وإسرافيل إذ دخلوا عليه أي على إبراهيم وهو في منزله فسلموا عليه فرد السلام ثم قال أنتم قوم منكرون أي لا نعرفكم بمعنى أنكم غرباء لستم من أهل هذا البلد فلذا سارع في إكرامهم فراغ إلى أهله أي عدل ومال إلى أهله فعمد إلى عجل سمين من أبقاره وكان ماله يومئذ البقر فشواه بعد ذبحه وسلخه وتنظيفه.
فقربه إليهم وكأنهم أسمكوا عن تناوله فعرض عليهم الأكل عرضا بقوله ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بحقه. فقال إذاً كلوه بحقه، فقالوا وما حقه؟ قال أن تذكروا اسم الله في أوله وتحمدا الله في آخره أي تقولون بسم الله في البدء والحمد لله في الختم فالتفت جبريل إلى ميكائيل وقال له حقٌ للرجل أن يتخذه ربه خليلا ولما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة أي خوفا أي شعر بالخوف في نفسه منهم لعدم أكلهم لأن العادة البشرية وهي مستمرة إلى اليوم إذا أراد المرء بأخيه سوءاً لا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، ولا يأكل طعامه هذا حكم غالبي وليس عاما.
قالوا لا تخف وبشروه بغلام وأعلموه أنهم مرسلون من ربه إلى قوم لوط لإِهلاكهم من أجل اجرامهم وبشروه بغلام يولد له ويكبر ويولد له فالأول إسحاق والثاني يعقوب كما جاء في سورة هود فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وقوله: {فأقبلت امرأته في صرة} أخذت في رنّة لما سمعت البشرى فصكت أي لطمت وجهها بأصابع يدها متعجبة وهي تقول أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إنّ هذا لشيءعجيب إذ كان عمرها تجاوز التسعين وعمر إبراهيم تجاوز المئة وكان عقيما لا تلد قط فلذا قالت عجوز كيف ألد يا للعجب؟ فأجابها الملائكة قائلين هكذا قال ربك فاقبلي البشرى واحمديه واشكريه. إنه تعالى هو الحكيم في تصرفاته في شؤون عباده العليم بما يصلح لهم وما لا يصلح فليفوض الأمر إليه ولا يعترض عليه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية.
2- فضيلة إبراهيم أبي الأنبياء وإما الموحدين.
3- وجوب إكرام الضيف.
4- الخوف الفطري عند وجود أسبابه لا يقدح في العقيدة ولا يعد شركا.